أسباب ودوافع شعور الطفل بالحرمان:
قد يكون حرمانًا «ماديًا» كأن يسرق الطفل الطعام لأنه جائع، أو ثمرة فاكهة من السوق لأنه يشتهيها، أو لعبة غيره لأنه محروم منها، أو نقودًا من حقيبة والدته لأنه لا يأخذ مصروفًا كافيًا كباقي زملائه. وقد يكون الحرمان «معنويًا» كأن يكون محرومًا من الأمان بسبب انفصال والديه، أو محرومًا من الحب بسبب تفضيل الوالدين لأخيه الأصغر، أو فتاة محرومة من الحب والتقدير لأنها غير جميلة، أو محرومة من الأم وتعيش مع أبيها وزوجته التي تسيء معاملتها.. وأي نوع من هذا الحرمان ربما يؤدي بالطفل إلى السرقة وكأنه يستعيد الحب أو الأم أو الاعتبار المفقود.
التقليد: فقد ينفعل الطفل بنموذج سيئ فيقلده دون دراية، والخطر أن يكون هذا النموذج أحد الوالدين، كأن يرى الطفل يد أمه تمتد إلى حافظة أبيه في غيابه وتأخذ منها النقد خلسة.
السرقة بهدف تدعيم الاحترام بين الأقران: فشعور الطفل بالعزلة في المرحلة الثانية من عمره (وهو الوقت الذي يؤهله لاتخاذ موقعه في المجتمع وبين أقرانه) يعد جزءًا من تعاسته، ولذا يندفع إلى السرقة لإغراق أصدقائه بالمشتريات والهدايا في محاولة لكسب ودهم نحوه بعد أن فشل في كسبهم لضعف شخصيته، أو يريد أن يتباهى أمام أقرانه بفعله البطولي في السرقة، لينجذبوا نحو شخصيته القوية (كما يتصور).
بعض الأطفال قد يسرق في مواقف تثار فيها غيرته الشديدة (سرقة انتقامية)، كأن يسرق من والديه لأنهما انصرفا عنه بالمولود الجديد، أو يسرق من صديقه لأنه يشعر بالضيق منه ولا يستطيع مواجهته.التخلص من مأزق معين؛ كالخوف من عقاب الوالدين لتضييعه نقوده أو أدواته المدرسية فيسرق للحصول على ما ضاع منه.التوتر الداخلي عند الطفل؛ كالاكتئاب أو الغيرة من الطفل الجديد بالأسرة، فيحاول بالسرقة أن يكتسب الشعور الداخلي بالارتياح.
سيطرة أصدقاء السوء: خاصة أطفال الأسر المفككة، أو الأطفال منخفضي الذكاء.التدليل الزائد: الذي يجعل الطفل يعتقد أن الحياة أخذ دون عطاء، كما أنه يشعر الطفل بأن ما للغير يمكن أن يكون له دون أن ينال عقاب. الأمر الذي يجعل أي منع له من الحصول على أي شيء يريده كما تعود دافعاً للسرقة.البيئة غير السوية: فيكتسب منها القيم الإجرامية التي بها يستحل السرقة ويستمرئها ويندرج تحت هذا الأمر أسلوب معاملة الوالدين للطفل عندما سرق في المرات السابقة، كأن لا ينال الجزاء المناسب أو يقابل تصرفه بعدم الاهتمام والمبالاة، فإن ذلك يشجعه حتمًا على التمادي في سلوكه.
وسائل الإعلام: إن تركيز بعض وسائل الإعلام على أحداث تنطوي على السرقات والأساليب التي تمارس كالخداع وإظهار السارق بالبطل والمقدام، يعطي نماذج تؤثر على البناء القيمي للأطفال وعلى دور الأسرة، وتكون الوسيلة الإعلامية هنا فرصة لتعزيز سلوك السرقة ودعمه لدى الطفل، بدلاً من فرصتها في إطفاء أو كف هذا السلوك لديه.
قد تكون السرقة مجرد عادة للطفل منذ الصغر، لم تكتشف مبكرًا ولم تقوم من قبل الوالدين، خاصة أن الطفل يكتسب معنى الملكية تبعًا لما يشاهده ويسمعه ويختبره بنفسه. فهناك أسر لا تقيم حدودًا لملكية الأشياء بين أفرادها، فأدوات الطعام والشراب واللعب مشاعة للجميع ودون تفرقة، وهناك أسر تسمح لأولادها باستخدام أدوات بعضهم بعضا دون توفير شيء واحد يخص طفلاً وشيء آخر يخص أخيه، بل إن بعض الأسر تسمح أن يلبس الأولاد ثياب بعضهم بعضًا، وفي مثل هذه الظروف لا نستبعد أن نجد أطفالاً يميزون بصعوبة شديدة بين ما يملكونه والذي لا يدخل في ملكهم.
وقاية وعلاج السرقة
إحدى العادات السلوكية السيئة المكتسبة التي لا ترجع إلى أية دوافع فطرية، فهي إذًا ليست حتمية، وبالتالي يمكن وقاية الطفل منها قبل حدوثها ومعالجته بعد وقوعه منها إذا ما نجحنا في الأخذ بالاعتبارات التالية:-
-احترام خصوصيات الطفل قبل أن نطالبه باحترام خصوصيات الآخرين، وأن نكون أمامه قدوة صالحة ونموذجًا طيبًا يحتذي به، مع الحرص على ربط جسور التواصل وتكوين علاقة حميمية ملئها العطف والحب والحنان.
- تعليم الطفل معنى وكيفية استعارة أشياء الآخرين، وآداب الاستئذان، وكيف أن سطوه على ممتلكات الآخرين خطأ كبير، يغضبهم منه ويؤذي مشاعرهم، كما أنه يجعل الآخرين لا يثقون به ولا يحترمونه، فضلاً عن خسارته لصداقتهم، والسمعة السيئة التي تلحق به.
- ترسيخ قيم الأمانة والصدق ومراقبة الله تعالى في نفوس أطفالنا، ليفرق بين الحلال وبين الحرام، ويشرح الآباء والمعلمون أمام الطفل في عبارات سهلة ميسرة خطورة جريمة السرقة، مشيرين إلى حد السرقة بقطع اليد الخائنة التي تتعدى على حقوق الآخرين بشروط معلومة. ومن المناسب رواية قصص من الحياة لأولئك الأشخاص الفقراء الذين يجدون مبالغ طائلة ولا تحدثهم أنفسهم بسرقتها. ونشرح لهم أن هؤلاء الذين يتمتعون بضمير حي ويعلمون أن الله سبحانه وتعالى رقيب عليهم في كل حين، هم الذين يجازيهم الله تعالى أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة
- توفير الأجواء الإيجابية والسليمة حقّ من الحقوق التربوية لكل طفل. فليس من البر أن يتربى الطفل في أجواء تطفح بالجريمة والاستهانة بالقانون والاعتداء على حقوق الآخرين، ولا من المناسب أبدًا أن يترعرع في أسرة تمارس الجريمة.. لابد إذًا من تطهير ذهن الطفل من النماذج السيئة والمثل القبيحة. ووسائل الإعلام لابد أن تخضع لتقييم جديد ورقابة صارمة بحيث لا تنعكس عنها بشكل مباشر أو غير مباشر نماذج تربوية قبيحة، وعلى المربين وأولي الأمر أن يكونوا من أنفسهم قدوات صالحة ليقتدي بها الطفل نحو الإصلاح والصلاح.
- بعد وقوع الطفل في السرقة لابد من التفاعل معه إيجابيًا وتشجيعه على إصلاح موقفه وتحمل مسؤولية خطئه: كإعادة الغرض المسروق من المحل والاعتذار اللبق للتاجر، وإذا كان الطفل أتلف اللعبة التي سرقها فنشجعه على دفع ثمنها واقتطاع ذلك من مصروفه، أما إذا أخذ شيئًا من صديقه في المدرسة فنطلب منه أن يرده بنفسه ويعتذر له ويعده بعدم تكرار ذلك.
- عدم الإسراف في إذلال الطفل بإطلاق كلمة «سارق أو لص» عليه ولو على سبيل المزاح، أو توبيخه أمام أحد مهما كان قربه، أو ذكر هذا الأمر أمام الغرباء والأقران، وعدم خلط الحسابات مع بعضها. فإذا كسر الطفل إناءً (مثلاً) وأراد والده توبيخه فلا ينبغي مواجهته بالقول.. أيها اللص لماذا كسرت الإناء؟